December 23, 2024
img_5187.jpg

🔴ماذا لو لم تُعقد جلسة الاثنين الحكومية؟

في السياسة اللبنانية كل شيء جائز. هكذا عوّدتنا المحطات السياسية، فما هو ممنوع اليوم قد يصبح متاحًا غدًا والعكس صحيح. المواقف والآراء في تغير وتبدل ولا شيء ثابت. لكل محطّة حيثياتها وتفاصيلها والتوقيت أحيانًا كفيل بحسم “ردات الفعل”، وهذا ما يحصل عادة في ربع الساعة الأخير، فلو أردنا رصد رأي شخص ما حيال القضية ذاتها مع مرور الزمن لخُيّل لنا أننا أمام شخصين لا واحد. ثمّة مواقف تسقط مع مرور الزمن تمامًا كالدعاوى القانونية. هكذا تفعل المصالح فعلها سواء أكانت شخصية أم وطنية. في الأولى تميل الآراء حيثما تميل المصلحة الذاتية وفقًا لسياسة تقسيم الكعكة. أما في الثانية، فتميل الآراء والمواقف حيثما تميل المصلحة الوطنية. وعندما نتحدّث عن وطن فإننا حكمًا نعني شعب هذا الوطن ومصلحته التي تؤخذ فوق أي اعتبار.

وغالبًا ما يتحكّم الجدل والأخذ والرد في الكثير من الاستحقاقات. ثمّة جدلية واضحة، وهذا أمر لا يبدو غريبًا على بلد يضم هذا الكم من التنوع الطائفي وتعددية الأحزاب. إلا أنّ ما يبدو غريبًا نوعًا ما هو بلوغ هذه الجدلية الحدود القصوى على حساب الناس. أحد تلك الأمور الجدلية تمثّل في السؤال الآتي: هل يحق لحكومة تصريف الأعمال الاجتماع واتخاذ القرارات؟ السؤال المذكور لطالما تردّد وفي حقبات عدّة حيث تبدو هذه الجدلية الحاضر الأبرز على إثر كل استقالة أو فراغ حكومي، وهذا ما يحصل هذه الأيام. وللتذكير، فإنّ الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور نصّت على أنّ الحكومة “تمارس صلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”. أما في الظروف الاستثنائية، فثمّة اجتهاد ينص على أنّ مدة تصريف الأعمال يجب أن لا تتجاوز الأربعة أسابيع، واذا تجاوزت هذه المدة تعود الحكومة لممارسة صلاحياتها.

الى جانب القوانين والاجتهادات، ثمّة من يجب أن يحسم الجدل في هكذا حالات. ثمّة “أخلاق وطنية وإنسانية” -اذا صحّ التعبير- والتزامات حيال الناس يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بمعزل عما هو مُدرج بشكل عام. فلا يخفى أن الدساتير تُرسي القواعد الأساسية العامة، إلا أنّ التشخيص يقع على عاتق المعنيين، فما كُتب قبل عقود قد لا يصلح اليوم، أو بالأحرى قد تحتّم علينا الضرورة التعاطي معه بطريقة أكثر مرونة بعيدًا عن الكيدية السياسية. في رحاب الأخيرة ثمّة الكثير ليُقال ونحن في بلد “الحنق” السياسي والاختلافات ونصب المتاريس، لكن ثمّة مواقف تستدعي القفز فوق كل هذه المصطلحات والمفاهيم. ماذا لو قيل لأي إنسان عاقل أنت أمام خيارين لا ثالث لهما؛ أولًا: تسجيل المواقف حول شرعية عقد جلسة حكومية من عدمها وتعريض حياة مرضى للخطر، وثانيًا: ترك السجال حول أهلية الجلسة الحكومية جانبًا وإنقاذ حياة مرضى من الموت؟. أمام هذين الموقفين، ثمّة مهم وأهم، ثمّة ما يحتمل التأجيل وثمّة ما لا يحتمل.

ما سبق بدا واضحًا حيال الجلسة الحكومية التي عُقدت الاثنين (5 كانون الأول 2022). البعض رأى في أصل الدعوة خرقًا للدستور وتعديًا على صلاحيات رئيس الجمهورية. البعض الآخر رأى فيها ضرورة معلّلا ذلك بالاستناد الى البندين الأول والثاني من جدول الأعمال. الأول يتمحور حول “مشروع مرسوم يرمي الى توزيع الاعتمادات المخصّصة للمعالجة في المؤسسات العامة والخاصة على نفقة وزارة الصحة”، والثاني تحت عنوان “طلب الموافقة على الطلب من مصرف لبنان سداد مبلغ 35 مليون دولار أميركي شهريًا للأشهر الثلاثة القادمة لزوم شراء أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية ومستلزمات طبية وحليب ومواد أولية لصناعة الدواء”.

وعلى قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” قارب البعض الجلسة ومنهم حزب الله. طبعًا، لا يمكن إنكار فرضية وجود نوايا غير طيبة وعقل كيدي في أصل الدعوة الى الجلسة وهذا وارد جدًا. في الظاهر، قد يُبدي البعض حرصه على المرضى لكنّه يكنّ نوايا مختلفة على سبيل تصفية حسابات ومناكفات سياسية. لكن في هذا الإطار لا يجب أن نقف عند النوايا علينا أن نقف عند الفعل والنتيجة. لنفترض، ثمّة مريض غسيل كلى أو سرطان أوصلته المعاناة الصحية الى أبواب الاحتضار بانتظار تأمين اعتمادات مالية لإنقاذه، فهل يتسع الوقت للقول أنّ لهذه الجلسة الحكومية أهلية وشرعية؟!.

انعقاد الجلسة جنّب الساحة كارثة صحيّة كُنا قادمين اليها حتمًا

إطلالة سريعة على واقع عيّنة من مرضى السرطان أو غسيل الكلى تكفي للخجل من كل ما قيل ويقال حول الجلسة. التدقيق في الواقع والظروف التي وصلت اليها الحالة الصحية في لبنان كفيل للدلالة على أهمية جلسة الاثنين الحكومية. ثمّة أكثر من 4500 مريض يغسلون الكلى في لبنان. هؤلاء يتلقون العلاج مجانًا مئة بالمئة. تسديد أكلاف جلسات غسيل الكلى مدعومة بشكل كلي وتسدّد للمستشفيات من قبل الجهات الضامنة أو وزارة الصحة. تكلفة المريض الواحد شهريًا نحو 30 مليون ليرة أي 135 مليار ليرة لإجمالي المرضى شهريًا وهو ما يساوي أكثر من ألف مليار ليرة سنويًا. هذه التكلفة مرهقة كثيرًا للمواطن أولًا وللمستشفيات ثانيًا. إقرار البند الأول المدرج على جدول الجلسة الحكومية جنّب الساحة كارثة صحيّة كُنا قادمين اليها حتمًا، وفق ما يقول لـ”العهد” نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. تبدو جلسة الاثنين وفق قناعاته فوق السياسة وفوق الدساتير والقوانين، هي جلسة انسانية بامتياز.

الكارثة ذاتها كانت ستحل بمرضى السرطان لولا إقرار البند الثاني. كلفة علاج كل مريض شهريًا تتراوح بين 5 ملايين و50 مليون حسب الدواء. إقرار سداد مبلغ 35 مليون دولار أميركي جنّب هؤلاء المرضى الوقوع في المحظور، فالتكلفة المذكورة هي فقط للأدوية المدعومة، أما في حال لم يقر البند فكانت تكلفة العلاج خيالية تفوق قدرة المرضى على العلاج بأشواط، فنحن حينها سنتحدّث عن تكلفة شهرية تتراوح بين 5000 و6000 دولار شهريًا، وفق ما يقول هارون الذي يعيد ويؤكّد “لولا جلسة الاثنين لكنا أمام مأزق كبير جدًا جدًا، فلا يزايدنّ أحد على من حضر الجلسة”، يختم هارون حديثه.