تحت عنوان “الكباش المستمر بين منصة صيرفة والسوق السوداء” كتب فؤاد زمكحل في الجمهورية:
تعدّى سعر صرف الدولار الأميركي عتبة الـ 50 ألف ليرة، ومن ثم سريعاً عتبة الـ 60 ألفاً، وها هو يُتلاعَب به من دون أي سقف محدّد، في ظل خلافات سياسية، وانهيار ما تبقّى من الإقتصاد، وتهديم العدل والعدالة، من دون أي خطة إقتصادية، مالية ونقدية إنقاذية.
على هامش هذه المعارك، الحقيقة المرّة التي نعيشها، هي أن سعر الصرف هذا، والإنهيار المستمر، ليس له حدود ولا سقوف، والمعركة الحقيقية الراهنة هي كباش مُحتدم وحاد بين منصة «صيرفة»، التي بين يدي المصرف المركزي، والسوق السوداء والتي بين أيادي حيتان الصيرفة.
فهذه المعركة الحقيقية التي تحصل وراء الستارة، هي حول مَن سيُسيطر على سعر الصرف، ويمتلك اختلافاته، أكانت صعوداً أم نزولاً. فربح «المركزي» بعض الأشواط عندما رفع سعر منصّة صيرفة إلى 38 ألفاً مؤخراً، وسحب السيولة بالليرة اللبنانية، وضَخ بعض العملة الخضراء التي كان قد «ضَبّها» من السوق، في الأشهر الماضية. أما ردة الفعل فقد جاءت سريعة وقاسية، من خلال الأيادي السود، والمنصّات الإلكترونية الوهمية، والتي أعادت الفجوة وسحبت السوق السوداء إلى آفاق مرتفعة.
فكل من الخصوم يستعمل أسلحته المدمّرة للسيطرة على السوق، ويكون الآمر الأكبر والأهم، وصانع القرار الرئيسي في هذه اللعبة الخطرة.
من ضمن هذه المعركة الدموية، سُحب قسم كبير من الليرة اللبنانية من السوق، ومن الذين هرعوا «هلعين» إلى المصارف لشراء بعض العملات الصعبة، بحسب سعر صيرفة الجديد، وأصبحوا رهائن، أو سجناء، مرة أخرى. أما حاملو الورقة الخضراء فباتوا يبيعونها بالنذر اليسير، وبأنابيب اختبار بإنتظار أسعار صرف متسلّقة.
من المؤكد أن حيتان الصيرفة تتلاعب بلقمة عيش اللبنانيين، وبنسبة عيشهم، وبحياتهم، ويُحقّقون أرباحاً طائلة، في كل عملية نهب. ومصلحتهم المبطّنة هي خلق فجوة مستدامة بين سعر صيرفة، وسعر السوق السوداء، ويحققون أرباحاً باهظة، ويتسبّبون بخسائر كبيرة لـ«المركزي».
سوق «صيرفة» باتت بـ 38 ألف ليرة، لكن لا قدرة لـ«المركزي» على متابعة بيع بعض سيولته بهذا السعر، عندما سُحب سعر السوق السوداء إلى آفاق جديدة لبضع ساعات بل أيام، وتخطّت الـ 60 ألفاً. فسعر الصرف هذا، والذي كان في بعض الأوقات شبه ثابت أو يتحرّك بالمئات أو حتى بالألوف، أصبح يتلاعب بشطور الـ 5 آلاف و10 آلاف ليرة وبطريقة عشوائية، وفي اليوم الواحد.
إضافة إلى ذلك، إن التلاعب الراهن يرتبط مباشرة بالتجاذبات السياسية القائمة، ووسائل الضغط أو إشعال الشارع، وجَرّنا نحو الفوضى، وحكم المافيات.
في الخلاصة، مهما كانت الأسباب التقنية المرتبطة بسعر الصرف والتقلّبات المبنية على عدم التوازن بين العرض والطلب، فإنّ أساس هذه التغيُّرات المبطّنة والمخفيّة هي كباش ومعارك مصيرية، بمَن سيتحكّم بالسوق السوداء، ومعارك محتدمة بمن سيكون زعيم أو زعماء أسعار الصرف، وكل خصم يستعمل كل الأدوات المتاحة لديه، وكل الضربات والسقطات مسموحة في هذه الفوضى الجماعية، والضياع الكامل. فالحيتان تزيد أرباحها الفادحة، والشعب يدفع ثمن هذه المعارك الدامية و»العاقرة». فالكباش مستمر ويلين أكثر وأكثر من ناحية السوق السوداء، وبمن سيكسب الأرض.