December 23, 2024

تنسيق حزب الله والفصائل
تأتي هذه العملية في سياق واضح، لا يخرج عن كل المسار المفتوح في الداخل الفلسطيني أو في المنطقة، لا سيما في ضوء التنسيق المباشر والمفتوح بين حزب الله وفصائل المقاومة الأخرى. وهنا لا بد من التذكير بأنه في الفترة الماضية عقدت اجتماعات بين أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله وقادة فصائل، من بينهم رئيس حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، ومسؤولين من حركة حماس كصالح العاروري. فيما جاءت العملية على توقيت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية إلى لبنان، واستعداده للمشاركة في إحياء فعاليات يوم القدس العالمي.

إنها مجموعة عمليات في عملية واحدة. لها أكثر من رسالة وهدف، في السياق وفي التوقيت. كما أنها تريد تثبيت قواعد الاشتباك عند قاعدة “ضربة مقابل ضربة”، أو أنه “لن يمر اعتداء من دون ردّ”. ميدانياً الوقائع واضحة. بعضها مشهود كما هو الحال بالنسبة إلى الاتصالات الدولية والديبلوماسية، التي تجري بعد كل حادث من هذا النوع. الأمر الوحيد الذي يختلف بالمعطى الميداني هذه المرة هو كمية الصواريخ التي أطلقت، والنقطة الثانية أنها لم تطلق باتجاه أراض مهجورة، انما أصابت مواقع ومحال تجارية وسيارات وأدت إلى سقوط جرحى. بخلاف كل الصواريخ التي كان يتم اطلاقها سابقاً وتسقط في البحر أو في أراض زراعية لا سكان فيها. وهذه بحدّ ذاتها إشارة جديدة ذات بعد تصعيدي متدرج في طبيعة العمليات.

أهداف عديدة تقف خلف هذه العملية، أولاً الردّ على الاعتداءات التي تطال المسجد الأقصى. وثانياً، الردّ على كل الضربات التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية في سوريا في الأيام الماضية. وثالثاً، الرد على اغتيال أحد كوادر حركة الجهاد الإسلامي قبل أيام في دمشق، رداً على عملية مجدو. ورابعاً، هي الإشارة والتعبير بوضوح من قبل فصائل المقاومة إلى أن غرفة العمليات العسكرية المباشرة مفعّلة بين قوى المقاومة، ما يعني أن الرد هو تعبير عن موقف موحد لكل هذه القوى، بغض النظر عن الجهة التي عملت على إطلاق الصواريخ بشكل مباشر.

الإرباك الإسرائيلي
وجاءت العملية على وقع حالة الإرباك الإسرائيلية الكبرى في الداخل وفي الخارج. فتجد إسرائيل نفسها محرجة سياسياً وشعبياً بفعل الانقسام الداخلي. ومربكة نتيجة جنونها واعتداءاتها على المسجد الأقصى. كما أن الإرباك الأوسع والأشمل يبقى في توتر علاقة حكومة نتنياهو مع الإدارة الأميركية. كذلك لا يمكن إغفال مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني الذي فاجأ الإسرائيليين، وبالتأكيد أزعجهم وساهم في توتيرهم أكثر. وهو من مسببات الإرباك في آلية الردّ، الذي سارع نتنياهو إلى البحث في مداه وحجمه، علماً أن معارضيه وبعض أعضاء حكومته حاولوا الضغط عليه لاستدراجه إلى معركة أوسع، وهو ما لا يبدو أنه قادر عليها.

احتمالات الردّ
وعلى وقع التصعيد، تسارعت الإتصالات السياسية كالمعتاد من جهات دولية سعت إلى تخفيف حدة التوتر ومنع الأمور من التفاقم والذهاب إلى حرب. وهو ما قامت به دول عديدة بشكل سريع بالإضافة، إلى قوات اليونيفيل التي تبلغت بأن اسرائيل تسعى إلى تنفيذ ضربات للردّ على ما جرى. ولكن حسب التقديرات، فالرد محدود. بينما على الضفة اللبنانية، فإن حزب الله كان واثقاً من عجز اسرائيل عن الذهاب إلى حرب، بسبب كل الإرباك الذي تعيشه، وبسبب عدم الموافقة الأميركية على أي تصعيد في ظل الحرب الأوكرانية، وبسبب عدم تضرر منصات تصدير الغاز على الجانب الإسرائيلي، لأن تضررها سيؤدي إلى أزمة كبرى في إسرائيل.

عملياً، يمكن لهذه العملية أن تفتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات حول آليات الرد غير المباشر، طالما أن اسرائيل لا تريد الذهاب إلى حرب مفتوحة، إلا أن بنك استهدافاتها قد يحصل على مراحل وليس بالضرورة دفعة واحدة، من خلال إعادة تفعيل العمليات الخفية وغير المتبناة، كالتي كانت تحصل سابقاً وتستهدف مواقع لحزب الله. وهذا أيضاً ما سيستدعي ردوداً أمنية وعسكرية من قبل الحزب، على قاعدة أنه لا يمكن استباحة لبنان أو سوريا من دون دفع الثمن.