December 23, 2024

تترافق خطورة الشغور الرئاسي وملف حاكم مصرف لبنان واستمرار بعض النافذين بالدفاع عن بقائه حتى اللحظة الأخيرة من ولايته، مع تجاهل توقيت الكلام عن تصنيف وضع لبنان المالي وتداعياته على القطاعات الحيوية كافةً. مع ذلك، لا تلوح أيّ جدية في التعامل مع هذه الخطورة، ولا تنعكس على طاولة ما تبقّى من هيكل إدارة الدولة. من رافق استحقاقات رئاسية منذ الطائف، من خارج اصطفاف المعارضة والموالاة، ينظر الى انفجار كمية المشكلات تباعاً، وكأنّها أحجار «دومينو» تتهاوى دفعة واحدة، في سيناريو غير مطمئن تتداخل فيه عوامل محلية وخارجية ضاغطة بشدة، في توقيت لافت، للوصول الى شيء ما، يتبدّل تصنيفه بحسب الفريق السياسي. فخشية الوصول، مع كل الانهيار المحتمل، الى تغيير في النظام تتساوى مع قلق من تزايد كلام الفيدرالية والمناطق المنقسمة على نفسها، بما هو أبعد من أيّ مشروع حول اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. وبقدر ما يتجاهل لبنان حقيقة المخاطر المحدقة بوضعه، يصبح أيّ تحرك عربي أو أميركي، حجر الزاوية في قراءة المشهد اللبناني.

في هذا المشهد، لم يعد الشغور الرئاسي العنصر الوحيد في تعامل الخارج معه من الآن وصاعداً ،مع مسلّمة تتقاطع حولها القوى الرئيسية بأن كل الكلام عن انتخابات رئاسية محض خيال، وأن الشغور طويل. وهذا يترجم تسليماً خارجياً بأنّ الوقت لم يحن بعد لانتخاب رئيس، وما حراك الداخل وصراعات القوى المحلية حول اختيار اسم المرشح للرئاسة سوى اعتراف مسبق بأن لا رئيس جديداً في المدى المنظور. وبدا للقوى المختلفة الانتماء أن التعويل على القمّة العربية جاء بنتيجة عكسية. إذ يمكن القول إن مشهد قمة جدة لم يُعطَ، خليجياً أو عربياً بالمجمل الاهتمام نفسه الذي أولته السعودية لسوريا أو لمقاربة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تخفيف تشنّجات السعودية في المنطقة. ما يعني لبنان أن هناك اتجاهاً عربياً خليجياً قد لا يتوافق مع رؤية السعودية لمعنى «تصفير المشاكل»، سواء عبّرت عنه قطر أو مصر. وهذا الأمر يستفيد منه معارضو حزب الله في ترجمة التشدد في مقاربة ملف الرئاسة وعدم التساهل في تقديم أوراق تنازل مبكرة عن رئاسة الجمهورية ترشيحاً ونصاباً واقتراعاً.

في الأيام الأخيرة، كثر التلميح من قوى في الثامن من آذار بأنّ الرياض حاورت الرئيس السوري بشار الأسد، فكيف لا تتحاور مع رئيس لبناني حليف للأسد وإيران، والتذكير بأن السعودية سبق أن استقبلت الرئيس ميشال عون، ولو كان الأخير لا يزال رئيساً لكان استقبل في إطار الانفتاح السعودي بحفاوة في قمّة جدّة، وهذا يعني مباركة غير معلنة لمرشح حزب الله، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

في المقابل، تجدد حرص الرياض بعد القمة على توجيه رسائل طمأنة بأن لبنان لم يدخل في أي ترتيب في المنطقة. فما حدث ليس صفقة بالمعنى العملي للكلمة. يعرف السعوديون أن عامل الثقة يحتاج إلى وقت طويل كي يفرض إيقاعه من اليمن الى لبنان، مروراً بسوريا والعراق. ويدركون معنى الرسائل الإيرانية في أكثر من اتجاه داخل إيران أو في لبنان، كما تدرك قطر ومصر من جانبهما فحوى الرسائل الأمنية التي توجّه من لبنان كما حصل مع إطلاق الصواريخ من الجنوب أو العرض العسكري لحزب الله، وكلاهما في توقيت إقليمي ولبناني لافت. من هنا، سيكون للتحرك القطري الذي تجدّد بعد القمة، دور أكثر تقدماً في تحقيق توازن مع ما يمكن أن يفهم أنه تخلٍّ عربي – سعودي عن لبنان لمصلحة تسوية مع إيران. وهذا الأمر من شأنه حثّ الرياض على مزيد من الالتزام باللاصفقة، وخصوصاً أن قطر تشكل كذلك عنصراً مساهماً في أيّ ترتيب مالي لأيّ تسوية تنتج رئيساً في لبنان.

وإذا كان الرهان على القمة لم يؤتِ ثماره كما كان التعويل لدى بعض القوى اللبنانية، فإن السيناريو الذي كان مرسوماً لجلسة مرشح المعارضة ضد مرشح الموالاة، سحب من التداول في الوقت الراهن، علماً أن هناك من يشكك في أنه دفن نهائياً، لأن المخرج الوحيد الذي يمكن أن ينفذ منه رئيس جديد، يكمن في حصول جلسة تعادل سلبي بين مرشحي المعارضة والموالاة للخروج برئيس توافقي بتسوية خارجية. هذا السيناريو لا يزال الأكثر تقدماً مهما كانت نوعية الصدامات في الأيام الأخيرة ومحاولة بعض المرشحين الموارنة تزكية أسمائهم. لكن من أجل السير به، هناك كثير من الخضّات والمطبّات التي بدأت تظهر تباعاً، سواء من خلال الضغوط الخارجية المالية أو التحرك الأميركي الذي يصبّ في خانة عدم وصول مؤيد لحزب الله الى الحكم. يبقى أن أي سيناريو مرسوم، لا يأخذ في الاعتبار ما يريده حزب الله، قد يضاعف من خطورة الوضع الداخلي. فكما من المبكر الكلام عن تخلٍّ سعودي عن مرحلة كاملة من اللاثقة والخصومة، من المبكر الكلام عن أن حزب الله في وارد القبول بتسوية تعطي للأميركيين حصة في الرئيس المقبل، بمعزل عن التسوية الأكبر.